رأي الشباب - العدد الثاني - يوليو 2001

الخواجة تينيت ينقذ الاقتصاد الإسرائيلى

طوال الثمانية أشهر الأولى من عمر الانتفاضة ، مارست الولايات المتحدة الأمريكية دور المتفرج ببراعة شديدة ، بحجة أن الإدارة الأمريكية الجديدة ليست على جانب كبير من الدراية بأوضاع وتطورات الصراع الفلسطينى / الإسرائيلى كسابقتها التى إنغمست فى هذا الصراع حتى أذنيها ، وظلت طوال هذه الشهور تراقب - وهى القطب الوحيد القادر على التخل - شعب أعزل يواجه جيش من أعتى القوى العسكرية فى العالم ، مدجج بأحدث الأسلحة المدمرة للبشرية ، الأمريكية الصنع ، ومدعم بتواطؤ عربى وإنحياز دولى سافر سواء من الدول الغربية أو المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة ، ولم يصدر عن الإدارة الأمريكية سوى بعض المناشدات بضيط النفس من الجانبين " الشعب الأعزل والجيش المدجج " !!

ولكن فجأة أستنفرت الولايات المتحدة كل قوتها وبدأت فى الإنغماس فى الاحداث الدائرة فى الشرق الأوسط وبقوة ، فحركت موظفيها كالأمين العام للأمم المتحدة وعينت منسقاً جديداً للشرق الأوسط إندفع فى جولات مكوكية فى المنطقة ،ثم كان أن حركت رئيس مخابراتها - جوج تينيت - الذى هبط على المنطقة مرتديا قبعة الكاوبوى الأمريكى ليفرض التوجه الأمريكى - الأوربى والذى يعبر عن التوجه الإسرائيلى بالأساس ، والذى تمثل فى المساواة بين الضحية والجلاد فى طلب وقف العنف ، مع الضغط على السلطة الفلسطينية لإعتقال كل المناضلين الفلسطينين المندرجين فى خلايا المقاومة الشعبية ، بدون أن تحمل ورقة تينيت إسرائيل أية أعباء!!!

فما الذى حدث على أرض الواقع دفع الولايات المتحدة لتغيير طريقة تعاملها مع الصراع الفلسطينى / الإسرائيلى ؟ الذى حدث ببساطة أن الإنتفاضة الفلسطينية وبالرغم من القتل والقمع الذى مارسه الجيش الإسرائيلى إستمرت بقوة وأستطاعت - من خلال مزجها بين النضال المدنى وتكتيكات حرب العصابات - أن تهز المجتمع الإسرائيلى من الداخل هزة قوية جداً زعزعت ثقته العمياء فى قدرته على سحق الفلسطينين - فقد طالت القنابل البشرية الفلسطينية الإسرائيلين داخل أراضى 48 ودخلت تل أبيب نفسها - وحول المقاتلون الفلسطينيون حياة المستعمريين إلى جحيم سواء عن طريق قنابل الهاون التى حولت ليل المستعمريين إلى نهار مضئ وحرمت المستعمريين الرقاد ، أو عن طريق الكمائن التى كان الفلسطينيون يقيمونها على الطرق الإلتفافية ، والتى كانت تسفر دائماً عن قتل عدد من المستعمريين ، الأمر الذى دفعهم إلى عدم الحركة إلا فى جماعات وفى حراسة الجيش الإسرائيلى ، ودفعت البعض منهم للهرب من المستعمرات المقامة بقطاع غزة والضفة ، والإنتقال لأراضى 48 ، ونتيجة لهذا الوضع الذى خلقته الإنتفاضة واجه المجتمع الإسرائيلى مشاكل طاحنة …. فبعد ثمانية أشهر من إندلاع الانتفاضة هبط النمو المقدر للإقتصاد الإسرائيلى من 4.5% إلى 2% بحسب تقديرات صندوق النقد الدولى ، وهى تقديرات يرى خبراء كثيرون أنها متفائلة ، وضرب الإنهيار صناعة التكنولوجيا نتيجة إنهيار أسهم شركات التكنولوجيا الإسرائيلية الأمر الذى دفع الاقتصاد الإسرائيلى للترنح ، وتراجع الإنتاج الصناعى التقليدى والزراعى ، كما تراجع البناء وأصبحت الشقق على التلال قرب القدس خاوية لا تجد من يشتريها ، وهبط عدد الحاويات المستوردة ، وضربت السياحة فأغلق 25 فندقاً إسرائيليا منذ أكتوبر الماضى منها عشرة فى الناصرية وحدها ، كما هبط عدد نزلاء الفنادق الإسرائيلية بنسبة 25% منذ إندلاع الإنتفاضة فى مقابل 4% فقط لفنادق الأراضى الفلسطينية ، وأصبح هناك 70 ألف عاطل عن العمل فى قطاعى الفنادق والمطاعم الإسرائيلية ، كما أعلنت شركة " فندقك " أن دخلها سينخفض وأنها ستطرد 12% من موظفيها ، وأعلنت وكالة الطاقة العاملة الإسرائيلية أن الطلب على موظفى التكنولوجيا المتقدمة إنخفض بنسبة 21% وأن عدد العاملين فى هذا القطاع فى فترة الإنتفاضة أقل 40% من عددهم فى الفترة نفسها من السنة الماضية ، وأصبح هناك ألوف الإسرائيليين العاطلين عن العمل فى قطاع التكنولوجيا.

أرتفعت خسائر شركة العال الإسرائيلية وسجلت خسارة قدرها 50 مليون دولار نتيجة إنخفاض عدد ركابها. كما كانت الحركة الإصلاحية اليهودية ضربة معنوية قاصمة لإسرائيل عندما أعلنت إلغاء برنامج إرسال الشباب اليهودى إلى إسرائيل بسبب الخطر على حياتهم ، لأمر الذى دفع رئيس بلدية القدس الصهيونى المتشدد " إيهود أولمرت " إلى القول : أن الحركة الإصلاحية بصقت فى وجه إسرائيل......

بعد هذا الإستعراض الموجز للأوضاع المتردية التى خلقتها الانتفاضة الفلسطينية داخل إسرائيل ، أصبحت الإيجابة على التساؤل المطروح حول الدافع لتحرك الولايات المتحدة واضحا ، فتينيت لم يأتى إلا لإنقاذ الحليف الإسرائيلى من عثرته الاقتصادية والاجتماعية والنفسية ، أو بمعنى أدق لتوفير مليارات الدولارات الإضافية التى كانت الولايات المتحدة ستضطر لدفعها لإنقاذ إقتصاد إسرائيل ، وأيضاً لحرمان الشعب الفلسطينى من ثمار نضاله الإنتفاضى وغرس فكرة الهزيمة فى نفسية الشعب الفلسطينى عبر التلويح بإلتزام الولايات المتحدة - القطب المهيمن على كل التوازنات الدولية - حماية إسرائيل بأى شكل كان.عن طريق خرس وإجهاض حركة التضامن العربية التى إندلعت بين الشعوب العربية لدعم الشعب الفلسطينى ، الأمر الذى ينذر بتهديد المصالح الأمريكية فى المنطقة ،وإستقرار الأنظمة والتى هى موالية للولايات المتحدة بشكل كامل.

وتشكل ورقة تينيت بذلك حلقة فى سلسلة طويلة من التصورات الأمريكية / الأوربية المفروضة على الشعب الفلسطينى والهادفة لإفراغ نضال الشعب الفلسطينى من مضمونه ، وهذه التصورات التى بدأت بمؤتمر مدريد وإنتهت حتى الأن بالمبادرة المصرية - الأردنية وتقرير ميتشل ثم ورقة الخواجة تينيت .

عودة إلى محتويات العدد عودة للرئيسية