قضايا الصراع - قضايا الصراع - قضايا الصراع
الانتفاضة وجريمة أوسلو (1) - العدد الأول (يونيو 2001)

الانتفاضة وجريمة أوسلو (2)

شروط الصفقة:

عندما تولت حكومة نتنياهو السلطة في عام 1996 رفضت التقيد بالتزامات الحكومة السابقة في "إعادة انتشار" القوات في مدينة الخليل، وتحججت بوجود مجموعة من 400 مستوطن يهودي متطرف (معظمهم من الولايات المتحدة) لاستمرار احتلال المدينة التي يسكنها أكثر من 200 ألف فلسطيني. وفي القمة التي عقدتها واشنطن في واي ريفر في أكتوبر 1998، تراجع نتنياهو عن اتفاقية سابقة بالانسحاب الكامل من مدن الضفة الغربية، ثم أعاد تقسيم برنامج "إعادة الانتشار" إلى مرحلتين قام بتنفيذ واحدة منها فقط. وأثناء هذه القمة وافق عرفات على السماح للمخابرات الأمريكية بمراقبة الشرطة الفلسطينية حتى تضمن قيامها بمهمة ضرب أي معارضة للاحتلال. وبعد عام واحد تراجع "حمامة السلام" - إيهود باراك - عن وعود نتنياهو بالانسحاب من 41% من أراضي الضفة الغربية. لقد اعتادت إسرائيل والولايات المتحدة إلى اللجوء إلى النوع من المماطلات حتى تحصل على تنازلات أكثر من "السلطة الفلسطينية" بعد أن فتح باب التنازلات إلى ما لا نهاية كلما أمكن. هكذا فتح "إعلان المبادئ" الطريق لسلسلة من الاتفاقيات التي حددت الشروط التفصيلية لاستسلام فلسطين. كان أهم هذه الاتفاقيات اتفاق أوسلو 2 ومذكرة واي ريفر عام 1998. لم تضع أي من هذه الاتفاقيات آلية لإعلان دولة فلسطين، بل أنها على العكس تركزت على تثبيت السيادة الإسرائيلية ودعمها. أهم هذه الاتفاقيات التي تركز على هذا الجانب كان اتفاق أوسلو 2 المكون من 400 صفحة تحدد بدقة تفاصيل عمل السلطة الفلسطينية وعلاقتها مع الكيان الصهيوني، كما وضعت تصورا عن برنامج تدريجي "لإعادة انتشار" القوات الإسرائيلية على حدود تجمعات القرى الفلسطينية! حسب هذا الاتفاق أيضا سوف تتولى السلطة الفلسطينية أعمال "الإدارة المدنية" في مهام مثل جمع القمامة وأعمال الشرطة على الفلسطينيين داخل هذه المناطق، وتحتفظ إسرائيل بالحق الكامل في التدخل من أجل "حماية المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وغزة" ولا يكون للسلطة الفلسطينية أي سلطة على الإسرائيليين الذين يقيمون داخل أو بالقرب من القرى الفلسطينية، وعلاوة على ذلك وافق عرفات على أن يكون لإسرائيل الحق في السيطرة على جميع الموارد الهامة في أراضي الضفة وغزة، فكما أعلن شيمون بيريز، ممثل الكيان الصهيوني في مفاوضات أوسلو "إن الصفقة احتفظت لإسرائيل بما يلي: 73% من الأراضي، 97% من السيطرة الأمنية، و80% من موارد المياه." ولكن حتى برغم ما وصلت إليه هذه الاتفاقيات من تبديد حقوق الشعب الفلسطيني، فإنه سرعان ما تكشفت عدم نية إسرائيل الالتزام بالوعود التي قدمتها على الورق، كما اتضح أن الولايات المتحدة لا تنوي ممارسة أي ضغط على إسرائيل (والذي تراهن عليه كل الأنظمة العربية) حتى تمتثل لهذه الوعود. بل قام كل منهما بتضخيم أي تجاوز أو إخفاق من جانب عرفات في كفالة أمن إسرائيل - سواء كان هذا الإخفاق حقيقيا أو وهميا، واستخدام ذلك في مبرراتها الدعائية لتجاوزها. وما قامت به حكومة نتنياهو في 1996 ومن بعدها حكومة باراك وتطور الأمور إلى ما وصلت إليه في ظل السفاح شارون كله يشير إلى طبيعة تلك الوعود الورقية.

ونستطيع أن نرصد النمط الذي اتخذته المماطلات الإسرائيلية وتلاعبها بالاتفاقيات منذ عام 1993، فبداية تمتنع إسرائيل عن الوفاء بوعودها التي قدمتها على الورق، بما يدفع "عملية السلام" المزعومة إلى حافة الانهيار، تتدخل واشنطن بسرعة حتى تستعيد "عملية السلام" إلى مسارها، تعقد قمة عالية المستوى للتوصل إلى ترقيع الاتفاقيات السابقة باتفاقية أخرى تمنح إسرائيل تنازلات جديدة، ثم تبدأ الدورة من جديد، ولهذا نجد هذا الكم الكبير والمربك من الاتفاقيات والتفاهمات التي تتردد في وسائل الإعلام على ألسنة "المفاوضين"، والتي لا قيمة لها في الواقع سواء "قانونية" أو "سياسية" إلا أنها تمنح إسرائيل شرعية جديدة للقمع.

حقيقة المسار السلمي:

وبينما يهتف ويصرخ جهابذة المفاوضات والدبلوماسية على شاشات التليفزيون حول اتفاقات وتفاهمات لا قيمة لها، قامت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ببناء مستوطنات لأكثر من 400 ألف يهودي في الضفة والقدس الشرقية، والتي تمثل الركيزة التي تعتمد عليها إسرائيل لخلق واقع على الأرض يوسع السيطرة الإسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية. وزع هؤلاء المستوطنون بمعدل 200 ألف في الضفة وغزة و200 ألف أخرى داخل القدس نفسها حيث تهدف إسرائيل إلى تهويد المدينة لتحول دون فرض الفلسطينيين سيادتهم على العاصمة الفلسطينية، وعند اكتمال مستوطنة "ماعال أدوميم" سوف تمتد من القدس إلى نهر الأردن لتغطي مساحة أكبر من "تل أبيب". وبالطبع يتضمن هذا التوسع هدم وتدمير منازل الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم حيث أشار تقرير لمنظمة العفو الدولية في أواخر 1999 إلى هدم إسرائيل لأكثر من 1100 منزلا فلسطينيا (بسبب عدم الحصول على ترخيص بالبناء!). ومنذ عام 1993 استثمرت إسرائيل حوالي 1.2 مليار دولار من المعونة الأمريكية في بناء شبكة الطرق السريعة التي تعبر خلال الأراضي الفلسطينية في الضفة وغزة وتربط بين المستوطنات متجاوزة القرى الفلسطينية. وعندما تكتمل هذه الشبكة يستطيع الإسرائيليون التنقل خلال الأراضي المحتلة دون التصادم أو الالتقاء بأي فلسطيني. وسوف تحقق هذه الشبكة على الأرض ما تم التوصل إليه سياسيا في اتفاقيات أوسلو بتمزيق فلسطين وتقطيع أوصالها، فالمدن والقرى التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية سوف تتحول إلى جزر منعزلة تحيط بها المستوطنات والنقاط العسكرية الصهيونية، ليصبح عرفات رئيسا شرفيا لدولته الوهمية على 90% من أراضي الضفة وغزة والفلسطينيين محاصرين في تجمعات ممزقة إقليميا، وأي فلسطيني يرغب في زيارة قريب له في مدينة أخرى سيكون عليه القيام بجهد أسطوري للحصول على تصريح نقاط التفتيش وتجنب المستوطنين المسلحين. أما البعد الأخير من خطة الكيان الصهيوني في مصادرة فلسطين فيكتمل بحرمان حوالي 4 ملايين لاجئ فلسطيني من العودة إلى أراضيهم، وذلك من خلال الوعود بتعويضات مالية والتخيير بين إعادة التوطين إما في الدويلة الفلسطينية الجديدة أو في البلاد العربية المحيطة. وهذا ما تتفق حوله كافة الحكومات الصهيونية سواء الحكومات اليمينية بقيادة نتنياهو وشارون أو حكومات العمل مثل حكومة باراك.

وأخيرا:

تعرضنا خلال هذا المقال إلى الجوهر الحقيقي لعملية التسوية، والجريمة التي أقدم عليها عرفات بدعم الأنظمة العربية المختلفة في اتفاقيات أوسلو وما تلاها من تنازلات. إلا أن كل مخططات الصهيونية التي اعتمدت على خيانات الحكام العرب والدعم الأمريكي لها وتفوقها العسكري ليست قدرا محتوما، فها هو الشعب الفلسطيني يقدم من جديد صورة رائعة من صور النضال في مواجهة الصهيونية وآلتها العسكرية، وهاهو يبرهن من جديد على قدرة الشعوب على الصمود وصناعة تاريخها مهما بلغت قوى القمع من جبروت. إن انتفاضة اليوم برهان على استحالة تحقيق صفقة عرفات مع الكيان الصهيوني في اتفاقيات أوسلو على الرغم من أنها حتى الآن لم تصنع بديلها القوي في اتجاه التحرر من الكيان الصهيوني.

الانتفاضة وجريمة أوسلو (1)

المؤامرة

في عام 1967 احتلت إسرائيل كلا من الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء فيما أطلق عليه في تاريخنا العربي بنكسة 1967، وفي نفس العام تم التصديق على القرار المشئوم الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والذي أقر بتقسيم فلسطين، وبعد أيام من حرب أكتوبر 1973 أصدر مجلس الأمن القرار رقم 338 الذي أكد على القرار السابق في جميع جوانبه. وبرغم رفضنا لتلك القرارات التي تحاول إضفاء الشرعية على قيام الكيان الصهيوني على أرضنا، إلا أننا في هذا الجزء من المقال الذي يحاول الكشف عن أبعاد جريمة أوسلو (اتفاقيات أوسلو) سنحاول الكشف عن اللعبة التي قامت بها الولايات المتحدة وإسرائيل لفرض أوضاع جديدة تتجاوز حتى تلك القرارات المرفوضة لتوضيح طبيعة هذا الكيان القائمة على الحرب والقوة التي تسانده وتحميه وتسعى إلى حرمان الشعب الفلسطيني حتى من الوجود، وهذا ما حاولوا ترجمته في اتفاقيات أوسلو، في محاولة للتصدي لتلك الأوهام التي يروجها البعض حول إمكانية التعايش السلمي مع إسرائيل، ونرى حقيقة ما تردده الحكومات حول خيار السلام الاستراتيجي.

ففي أعقاب النكسة مباشرة، لم تعترف أي جهة دولية بسيادة إسرائيل على ما أطلقوا عليه آنذاك "الأراضي المحتلة" - ويقصدون بذلك طبعا الضفة وقطاع غزة . حتى الولايات المتحدة وافقت آنذاك على جوهر القرار 242 من زاوية تأكيده على "عدم مشروعية الاستيلاء على الأرض بالقوة!"، كما نادى هذا القرار صراحة "بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلت في الحرب الأخيرة (1967)"، أما قرار 338 الذي صدر بعد حرب 1973 وأكد على القرار السابق فقد دعا أيضا إلى "التفاوض بين الأطراف المعنية بهدف (إقامة سلام دائم وعادل في الشرق الأوسط.)" وبالطبع، فإن الجهود الدبلوماسية الدولية التي تهدف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي يجب أن تقوم على أساس "الأرض مقابل السلام" حسب مفهوم تلك القرارات. الهدف من استعراض هذا التاريخ الديبلوماسي يتركز في مقارنة تلك الوثائق (قرارات مجلس الأمن) التي تدعو إلى انسحاب القوات الصهيونية من الأراضي المحتلة حسب مفهوم تلك القرارات (الضفة وقطاع غزة) مع التطورات اللاحقة في عملية أوسلو، والتي شهدت مناورة تكشف كما ذكرنا عن الطبيعة الدموية لهذا الكيان المسمى إسرائيل، وحقيقة الدور الأمريكي في صراعنا معه. بدأت المناورة (المؤامرة) عندما عقدت إدارة جورج بوش الأب مؤتمر مدريد بين كل من إسرائيل وسوريا والأردن مع وفد فلسطيني، وسمحت لكل طرف بأن "يطرح تفسيره الخاص للقرار 242 خلال المفاوضات" في محاولة مكشوفة للتلاعب ببنوده المتعلقة بالانسحاب. بعدها تقدمت إدارة كلينتون بخطوات واسعة تجاه المعسكر الصهيوني. ففي يونيو 1993 اقترح وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك وارين كريستوفر "إعلان مبادئ" والذي أشار إلى الضفة الغربية وقطاع غزة على أنها أراضي "متنازع عليها" وليست "أراضي محتلة". وهكذا ألغت حكومة الولايات المتحدة بحركة خاطفة مضمون قرارات الأمم المتحدة، وتراجعت طبعا في موقفها الديبلوماسي الرسمي حيث كانت قد وافقت على مضمون هذه القرارات سابقا. فلو كانت تلك الأراضي مجرد "أراضي متنازع عليها" يكون لإسرائيل الحق في السيادة عليها مثلها في ذلك مثل الفلسطينيين. وتقدم "إعلان" كريستوفر خطوة أخرى نحو الإجحاف بحقوق الفلسطينيين عندما أقر بالسلطة الفلسطينية على السكان وليس على الأرض. وبالتالي غيرت إدارة كلينتون محاور المفاوضات تغييرا تاما، فلم يكن على جدول أعمالها إنصاف الفلسطينيين، وجرى التفاوض فقط على شروط استسلام فلسطين.

ورطة عرفات

لم يكن هذا الموقف مجرد انعكاس لمدى تأييد الولايات المتحدة لإسرائيل ودعمها لها، ولكنه أيضا كان يعكس موازين القوى الجديدة في المنطقة. فقد قادت الولايات المتحدة حربا ضارية ضد العراق أدت إلى تدمير قدراته في حرب الخليج عام 1991 بمشاركة كلا من بريطانيا وفرنسا ومصر وسوريا تحت مسمى قوات التحالف. ونتيجة لذلك أصبحت الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة التي لا ينازعها أحد في منطقة الشرق الأوسط. كما أن انهيار الاتحاد السوفييتي ساعد في إزاحة أي قوة منافسة لها في المنطقة، ودفع الأنظمة العربية جميعا إلى الزحف من أجل الفوز برضا أمريكا. وكانت منظمة التحرير الفلسطينية قد أيدت العراق أثناء حرب الخليج وأدى ذلك إلى عزلتها وحرمانها من الدعم الذي كانت تتلقاه من الأنظمة العربية، فقد طردت دول الخليج مئات الآلاف من العمال الفلسطينيين من بلادها، وقطعت الدول العربية والاتحاد السوفييتي معوناتها للمنظمة. وفي ظل هذه الأوضاع أصبح جانب الولايات المتحدة وإسرائيل في أوج قوته ووصل موقف الفلسطينيين إلى أضعف مستوى له في 1993، مما أتاح الفرصة لإسرائيل لاستغلال هذه الأوضاع لترسيخ وتثبيت الاحتلال، وأن تفكر في انتداب فلسطينيين لتولي مهمة قمع الشعب الفلسطيني نيابة عنها.

كانت دوافع إسرائيل إلى التفاوض مع الفلسطينيين واضحة تماما، فقد عجز القمع العسكري عن مواجهة الانتفاضة الفلسطينية الباسلة التي انطلقت عام 1987 واستمرت عدة سنوات حتى أن إسرائيل أرسلت حوالي 180 ألف جندي - عشرة أضعاف القوات المجندة قبل بدء الانتفاضة - وعجزت عن إجهاضها. آنذاك، أعلن إسحق رابين، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، أنه يفضل أن "يتولى الفلسطينيون مسألة الحفاظ على النظام في غزة، لأن الفلسطينيين سيقومون بذلك أفضل منا ولن يسمحوا بالتماسات تقدم إلى المحكمة العليا أو انتقاد الأوضاع هناك، وسوف يحكمون بطريقتهم الخاصة مما يؤدي إلى إعفاء الجنود الإسرائيليين من أن يفعلوا ما سيفعلونه، وهذا أمر بالغ الأهمية." في ذلك الوقت، كانت إسرائيل في أمس الحاجة إلى توفير الموارد المالية التي كانت توجه لضرب الانتفاضة، حيث كان حوالي نصف مليون مهاجر يهودي يتدفقون عليها من روسيا، وكان رجال الأعمال الإسرائيليين يؤيدون هذه الصفقة لتكون بداية لفتح تجارتهم على العالم عندما تعتقد البلاد التي قاطعت إسرائيل بسبب وحشيتها في التعامل مع الفلسطينيين أن إسرائيل تسعى للسلام بمساعدة منظمة التحرير الفلسطينية، وتبدأ في عمل علاقات اقتصادية معها.

بدأت تطورات الصفقة في مفاوضات سرية بين عرفات وحفنة من المقربين منه مع مفاوضين إسرائيليين انعقدت تحت غطاء مناقشات أكاديمية وبحثية في أوسلو، وكان نتاج هذه المفاوضات "إعلان المبادئ" الذي تم التوقيع عليه في البيت الأبيض في سبتمبر 1993، وأصبح نقطة تحول، ولكن ليس تجاه السلام المزعوم. فكما أشار أحد المراقبين للعملية "لأول مرة في التاريخ وافقت القيادة الفلسطينية على تسوية تحافظ على استمرار الاحتلال الإسرائيلي، على أساس أن جميع القضايا الهامة والمعلقة في النزاع سوف تخضع للمفاوضات خلال فترة تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات تبدأ منذ التوقيع على الإعلان." وفي مقابل اعتراف فلسطيني بإسرائيل (والذي تم بالفعل في عام 1988) ونبذ عمليات المقاومة التي أطلقوا عليها "الإرهاب"، سوف تعترف الولايات المتحدة وإسرائيل بمنظمة التحرير كممثل رئيسي للفلسطينيين في المفاوضات، ويتولى الفلسطينيون سلطة الحكومة "المدنية" في قطاع غزة وبعض القرى في الضفة الغربية. ويتم تأجيل جميع القضايا الجوهرية التي ظلت تمثل أساس الصراع بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين على مدى نصف قرن إلى مفاوضات مستقبلية. وتخلى عرفات عن القوة السياسية والمعنوية في جميع القضايا الجوهرية في مقابل أن تعترف به الولايات المتحدة وإسرائيل كشريك في "السلام". لماذا وافق عرفات على هذه المهانة؟ مع زيادة ضعف بيروقراطية منظمة التحرير في تونس وفقدان عرفات لنفوذه لصالح القوى السياسية الأخرى داخل الضفة والقطاع، أصبح من السهل التأثير عليه بما يكفي، وراهنت الولايات المتحدة وإسرائيل على أن عرفات سوف يقبل بشروط الحد الأدنى، وقد فعل. فقد كان عرفات وحاشيته في أمس الحاجة إلى قطعة من الأرض يحكمونها. كتب إدوارد سعيد في سبتمبر 1993 أنه "واضح أن منظمة التحرير تحولت من حركة تحرر وطني إلى نوع من الحكومة البلدية التي يسيطر عليها نفس مجموعة الأشخاص." وقد رفضت معظم المنظمات المكونة لمنظمة التحرير الفلسطينية هذه الصفقة، لكن عرفات لم يستشر أيا من المنظمات أو الهيئات التمثيلية الفلسطينية بدءا من الهيئة التنفيذية لمنظمة التحرير، وحتى المجلس الوطني الفلسطيني (البرلمان الفلسطيني في المنفى).

وفي العدد القادم نستكمل عرض جوانب جريمة أوسلو